مقدسيون صنعوا تاريخاً

Abstract

إن الحديث عن قادة الفكر والعمل من المقدسيين، خلال القرن العشرين، يعني الحديث عن أولئك الذين يرابطون على الجبهة الأمامية في الصراع القائم على أرضها بين شعب أعزل لا يملك سوى إرادة الصمود من جانب، ومن الجانب الآخر يقف أطول وأشرس احتلال شهده التاريخ المعاصر؛ إنه الاحتلال الثنائي البريطاني-الصهيونيّ، الذي كان للبريطانيين فيه دور من أعدّ المكان لدولة قامت على الظلم والطغيان. وأما الصهيونيّة، فهي من نفّذ، وبدعم منقطع النظير من بعض دول العالم المتواطئة، إلى أن أعلنت الدولة العبريّة في العام 1948 م، بعد أن نكبت الشعب الفلسطينيّ وشردته، واستولت على أرضه، وسعت إلى محو وجوده الثقافي والحضاريّ! لأن الشعب الفلسطيني شعب حي، ففي كل الحقب والعصور كان يظهر من يقاوم الظلم والتسلّط الاحتلاليين. ولأن القدس هي عاصمته الروحية والسياسية والفكريّة والحضارية، فإنها تشكل الموئل والملاذ، عند الأزمات أو في الرخاء. ولأن الماضي مرآة المستقبل وهو أشبه به من الماء بالماء، فإنه من الأهمّيّة بمكان سبر غور حياة كل قائد مقدسي، والوقوف معمّقًا عند تفاصيل شخصيّته؛ مما يسهم في توفير الإضاءة الكافية لمن يسعى إلى التخطيط للحفاظ على عروبة القدس؛ بإسلاميتها ومسيحيّتها. على تلك القاعدة، جاء كتابنا هذا «مقدسيون صنعوا تاريخًا »، والذي أعددناه على مدى العامين 2015 - 2014 ، ليشمل عشرة قادة مقدسيين تركوا فينا ما لا يُنسى من أثر وآثار، مادّيّة وغير مادّيّة، في المجالات التربوية والتعليمية والسياسية والفكريّة... الخ، شكلت، في مجموعها، تحدّيات للاحتلال وإعاقات جادّة وفاعلة لمحاولاته «تهويد » المكان والزمان والتاريخ والجغرافيا، ما يشكّل تاريخًا فيه إضاءة وتمهيد طريق للأجيال القادمة، للسير قدمًا على خطى الآباء والأجداد، وتقدير إنجازاتهم والمحافظة عليها، مهما غلت التضحيات. كما يأتي هذا الكتاب في الوقت الذي مرّ على نكبة شعبنا «سبعون » عامًا بأيامها ولياليها وشظفها وقسوتها وشراستها، لكي نستذكر عشرة من المقدسيين الذين كان لهم الدور البارز في الوقوف في وجه الاحتلال إبّان زلزاليْن تاريخيين: زلزال النكبة في العام 1948 م، والزلزال الارتدادي المتمثل في النكسة في العام 1967 م. وإذا كان الزلزال الأول قد التهم معظم مدينة القدس، فإن الزلزال الثاني أكمل على ما تبقى منها. إذا ما علمنا بأن المقدسيين قيد البحث في هذا الكتاب، هم من مواليد الفترة ) 1906 م - 1940 م(، وأنهم يتوزّعون على مدى واسع من مجالات البناء والإبداع، فإننا نكون قد شملنا 9 حقبة زمنيّة واسعة، تفتح قريحة الباحثين على المزيد من البحث والتمحيص والتحليل لما جرى على أرض فلسطين خلال القرن العشرين. لا سيما وأنه تم تخصيص فصل كامل ومستقل لكل شخصية على حدة 1. وأننا اعتمدنا في إعداده على منهجيّة العمل الميداني مع عائلات المبحوثين وأسرهم وأصدقائهم، دون أن نركن إلى ما نُشر عنهم من مؤلفات، علمًا بأن منهم من لم يأخذ حقّه من النشر والتعريف به قبلئذ. ونؤكد هنا أننا لا ندّعي وصولنا إلى الحقيقة المطلقة؛ وإنما هي محاولة جادّة ننتظر أن يضاف إليها محاولات أخرى أكثر جدّيّة وأثرًا. لأهميّة هذا الكتاب ودوره في التأريخ للقدس، من خلال هؤلاء القادة، جاء قرار معالي د. إيهاب بسيسو رئيس اللجنة الوطنيّة للقدس عاصمة دائمة للثقافة العربيّة، الذي نسجّله بحروف من ذهب، بطباعة هذا الكتاب على نفقة «القدس عاصمة دائمة للثقافة العربية .» كما أردف معاليه بأن أتحف القارئ بكلمات تبعث الأمل في النفوس، وتفتح لكتابنا هذا آفاق الانتشار لا على مستوى الوطن الفلسطيني وحسب، وإنما على مستوى الوطن العربي أيضًا، الذي تشكّل القدس العاصمة الدّائمة لثقافته. نترك هذا الكتاب بين يديّ القارئ العزيز، الذي نأمل منه أن يرشدنا إلى أخطائنا، التي وقعنا فيها من غير قصد، دون أن ننتظر شكرًا على صوابنا؛ لأننا نرى أنه أقلّ الواجب الذي يمكن أن نقدّمه إلى القدس عاصمتنا الأبديّة، وإلى أهلها القابضين على عروبتها كالقابض على الجمر.